مقابلة مع الدكتور هيثم مناع
بالموازاة مع استمرار الحرب التي يشنها الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة منذ السابع من تشرين أول/ أكتوبر الماضي، وبالنظر إلى حجم المجازر المرتكبة والانتهاكات التي اقترفها الاحتلال بحق الفلسطينيين في غزة، فقد تحركت هيئات حقوقية وقضائية عالمية فضلا عن السياسية ليس من أجل وضع حد للحرب فقط، وإنما أيضا من أجل ملاحقة مجرميها.
“عربي21″، التي واكبت تأسيس هذه المحكمة وغطت جلساتها، تحاور اليوم الدكتور هيثم مناع رئيس المعهد الأسكندنافي لحقوق الإنسان/ مؤسسة هيثم مناع عن اليوم التالي لإعلان التأسيس عن هذه المحكمة:
س ـ شكل قيام المحكمة العالمية لفلسطين حدثا استثنائيا لنخبة متميزة ومعروفة تاريخيا بالتزامها بالحقوق الفلسطينية منذ عقود، كيف تمكنتم في اللجنة التحضيرية من جمع أشخاص، رغم تقاطعاتهم الدائمة في كل قضية هامة أو حدث كبير يتعلق بالقضية الفلسطينية، لاحظت بأن بعضهم يجتمع لأول مرة ببعضهم الآخر، ويعملون بكل قوة من أجل التواجد الفاعل في هذا المشروع الواعد؟
ـ لعلك أخي العزيز أكثر من تابع التقاطعات والمشاركات المختلفة في عملية التراكم البناءة التي حدثت. فقد كنت معنا في مواجهة ما أسميناه “صفعة القرن”، وكنت معنا في ندوات مسارات ومآلات القضية الفلسطينية، وفي مواجهة ما أسميناه “اغتيال السلام باسم السلام” في الرد على جاريد كوشنر / رونالد ترامب وعملية التطبيع التي فرضت من فوق على بلدان عربية إلخ. في كل مرة كان هناك من يناضل في مجلس حقوق الإنسان، وآخر أمام المحكمة الجنائية الدولية، وثالث في بناء شبكة حقوقية قانونية وآخر في صفوف المنظمات الحقوقية والمجتمع المدني… وكون المنظمات المبادرة لبناء المحكمة كانت في مجموع هذه المحافل والتظاهرات، فقد كان السؤال الأول الذي طرحناه على أنفسنا: ما هي المنهجية المطلوبة للاستفادة من كل الوسائل المجربة من أجل فاعلية أكبر في الفعل والتأثير.
معظمنا يشارك في أعمال مجلس حقوق الإنسان منذ أكثر من ثلاثين عاما (منذ كان اسمه لجنة حقوق الإنسان)، ولاحظنا أن التوثيق الوحيد الذي يترك بصمات وتأثير يكمن فيما يسمى written interventions، هذه المداخلات المكتوبة في موضوع وقضية محددة تصبح وثيقة تحت تصرف من يهمه الأمر في موضوعها.
لذا كان من أولى القرارات العملية إدماج هذه الآلية في التحضير للمحكمة، بحيث يكون لدى القضاة ملفات وتقارير ودراسات معدة من أخصائيين ومنظمات حقوقية فيها المادة الخام الضرورية لامتلاك المشاركين والمشاركات تصورا واضحا عن الموضوعات الثلاثة التي تعنينا في المقام الأول: النكبة، كجريمة مستمرة ضد الإنسانية، الإبادة الجماعية كسياسة ممنهجة للاحتلال والاستيطان تشكل غزة حلقتها الأكثر بروزا ووضوحا للرأي العام العالمي، وكيف ترافق ذلك ببناء نظام أبارتايد في القانون والممارسة في ظل حماية ودعم وغطاء النظام الدولي system-world السائد.
نحن لم نخترع العجلة، وإنما وجهنا البوصلة نحو كل الطاقات الفكرية والقانونية والحقوقية التي قامت بعمل جبار في مهمات التحقيق وحلقات البحث وكل مكان استطاعت فيه التعبير عن نفسها، من أجل أن تجلس معا، كل منها يدلي بدلوه ويعمل بتفكير جماعي ونضال مشترك، لجمع كل السواقي النوعية والغنية، في نهر عذب المياه خصب العطاء.
صحيح ثمة بعض الخلافات في التحليل والتصور، ولكن أمام القضايا المصيرية الكبيرة، من الضروري وضع كل الخلافات الصغيرة في سلة المهملات. سأنقل لك بعض الجمل من اجتماعاتنا التحضيرية وهي تعبر عن هذه الروح التي سعت منذ اليوم الأول لبناء تجربة نوعية جديدة: “نحن في نهاية حقبة تتهاوى فيها السردية الصهيونية أمام أعين العالم، مهمتنا أن لا يتمكن أعداء الحقوق الفلسطينية من تشويه الأجنة الناشئة اليوم أو محاصرتها”، “مركزية وعالمية وراهنية الحقوق الفلسطينية تتحول من شعار إلى واقع واجبنا أن نلبس فيه الجسد لحما ودما وفكرا خلاقا”، “من واجبنا وضع كل المحاكم التي تدعي تبنيها لميثاق روما للمحكمة الجنائية الدولية أمام مسؤولياتها باعتبار الملف الفلسطيني هو الفيصل بين احترام هذا الميثاق أو إبقاء الجرائم الإسرائيلية فوق العقاب والمحاسبة”، أي نزع المصداقية عن هذه المحاكم باسم قانون القوة وليس قوة القانون”، “هذه المحكمة منبر لكل المنظمات غير الحكومية التي نحتاج لأن تشبك وتنسق وتعمل معا أكثر من أي وقت مضى”…
عادل الحامدي: شكل قيام المحكمة العالمية لفلسطين حدثا استثنائيا لنخبة متميزة ومعروفة تاريخيا بالتزامها بالحقوق الفلسطينية منذ عقود، كيف تمكنتم في اللجنة التحضيرية من جمع أشخاص، رغم تقاطعاتهم الدائمة في كل قضية هامة أو حدث كبير يتعلق بالقضية الفلسطينية، لاحظت بأن بعضهم يجتمع لأول مرة ببعضهم الآخر، ويعملون بكل قوة من أجل التواجد الفاعل في هذا المشروع الواعد؟
هيثم مناع: لعلك أخي العزيز أكثر من تابع التقاطعات والمشاركات المختلفة في عملية التراكم البناءة التي حدثت. فقد كنت معنا في مواجهة ما أسميناه “صفعة القرن”، وكنت معنا في ندوات مسارات ومآلات القضية الفلسطينية، وفي مواجهة ما أسميناه “اغتيال السلام باسم السلام” في الرد على جاريد كوشنر/رونالد ترامب وعملية التطبيع التي فرضت من فوق على بلدان عربية إلخ. في كل مرة كان هناك من يناضل في مجلس حقوق الإنسان، وآخر أمام المحكمة الجنائية الدولية، وثالث في بناء شبكة حقوقية قانونية وآخر في صفوف المنظمات الحقوقية والمجتمع المدني… وكون المنظمات المبادرة لبناء المحكمة كانت في مجموع هذه المحافل والتظاهرات، فقد كان السؤال الأول الذي طرحناه على أنفسنا: ما هي المنهجية المطلوبة للاستفادة من كل الوسائل المجربة من أجل فاعلية أكبر في الفعل والتأثير. معظمنا يشارك في أعمال مجلس حقوق الإنسان منذ أكثر من ثلاثين عاما (منذ كان اسمه للجنة حقوق الإنسان)، ولاحظنا أن التوثيق الوحيد الذي يترك بصمات وتأثير يكمن فيما يسمى written interventions، هذه المداخلات المكتوبة في موضوع وقضية محددة تصبح وثيقة تحت تصرف من يهمه الأمر في موضوعها. لذا كان من أولى القرارات العملية إدماج هذه الآلية في التحضير للمحكمة، بحيث يكون لدى القضاة ملفات وتقارير ودراسات معدة من أخصائيين ومنظمات حقوقية فيها المادة الخام الضرورية لامتلاك المشاركين والمشاركات تصورا واضحا عن الموضوعات الثلاثة التي تعنينا في المقام الأول: النكبة، كجريمة مستمرة ضد الإنسانية، الإبادة الجماعية كسياسة ممنهجة للاحتلال والاستيطان تشكل غزة حلقتها الأكثر بروزا ووضوحا للرأي العام العالمي، وكيف ترافق ذلك ببناء نظام أبارتايد في القانون والممارسة في ظل حماية ودعم وغطاء النظام الدولي system-world السائد.
نحن لم نخترع العجلة، وإنما وجهنا البوصلة نحو كل الطاقات الفكرية والقانونية والحقوقية التي قامت بعمل جبار في مهمات التحقيق وحلقات البحث وكل مكان استطاعت فيه التعبير عن نفسها، من أجل أن تجلس معا، كل منها يدلي بدلوه ويعمل بتفكير جماعي ونضال مشترك، لجمع كل السواقي النوعية والغنية، في نهر عذب المياه خصب العطاء. صحيح ثمة بعض الخلافات في التحليل والتصور، ولكن أمام القضايا المصيرية الكبيرة، من الضروري وضع كل الخلافات الصغيرة في سلة المهملات. سأنقل لك بعض الجمل من اجتماعاتنا التحضيرية وهي تعبر عن هذه الروح التي سعت منذ اليوم الأول لبناء تجربة نوعية جديدة: “نحن في نهاية حقبة تتهاوى فيها السردية الصهيونية أمام أعين العالم، مهمتنا أن لا يتمكن أعداء الحقوق الفلسطينية من تشويه الأجنة الناشئة اليوم أو محاصرتها”، “مركزية وعالمية وراهنية الحقوق الفلسطينية تتحول من شعار إلى واقع واجبنا أن نلبس فيه الجسد لحما ودما وفكرا خلاقا”، “من واجبنا وضع كل المحاكم التي تدعي تبنيها لميثاق روما للمحكمة الجنائية الدولية أمام مسؤولياتها باعتبار الملف الفلسطيني هو الفيصل بين احترام هذا الميثاق أو إبقاء الجرائم الإسرائيلية فوق العقاب والمحاسبة”، أي نزع المصداقية عن هذه المحاكم باسم قانون القوة وليس قوة القانون”، “هذه المحكمة منبر لكل المنظمات غير الحكومية التي نحتاج لأن تشبك وتنسق وتعمل معا أكثر من أي وقت مضى”…
عادل الحامدي: ألا ترى كيف حولت القوى الكبرى “حقوق الإنسان” إلى مجرد وسيلة للضغط يجري باسمها حماية المجرمين أكثر منه حماية الضحايا؟ كيف ترون السبيل لمواجهة هذا التوظيف لموضوع الديمقراطية وحقوق الإنسان في لجم صوت المقاومين والأحرار في هذا العالم؟
هيثم مناع: منذ نهاية الحرب العالمية الثانية جرى توظيف وتحجيم فكرة الحقوق الإنسانية من قبل من ادعى الدفاع عنها من القوى المنتصرة في الحرب. أذكرك صديقي بأن الولايات المتحدة لم تصدق حتى اليوم على كل ما يتعلق بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، بل وقفت بصفاقة ضد كل قرار أو ميثاق يتعلق بالتمييز العنصري ونزع الاستعمار وحق التنمية أو حقوق المهاجرين. وهي مع الحكومة الإسرائيلية، أول كيانين موقعين على اتفاقية مناهضة التعذيب صدر فيهما قرارات تسمح بممارسة التعذيب. لم ترفض الولايات المتحدة فقط ميثاق روما للمحكمة الجنائية الدولية بل وقعت أكثر من 63 اتفاقية ثنائية مع دول عضو في المحكمة الجنائية تمنع فيها هذه الدول من القيام بأي ملاحقة قضائية لمن يحمل الجنسية الأمريكية. وقد جمدت وأوقفت منذ إعلانها “الحرب على الإرهاب” أي تقدم يهدف لإصلاح الأمم المتحدة. واعتبرت العقوبات الأحادية الجانب سلاح حرب مع أية دولة تختلف مع سياساتها. في حين كانت المصدر الأول للسلاح والمال لدول معتدية، اليوم، الجميع يعرف ويرى أنه دون الدعم العسكري والمالي والدبلوماسي المباشر للأبارتايد الإسرائيلي، لم يكن بوسع الصهاينة الاستمرار في إبادتهم الجماعية.
عادل الحامدي: كيف يمكن مع هذه الصورة القاتمة، إنشاء محكمة مدنية عالمية لمواجهة الطغيان السائد؟
هيثم مناع: نحن نعيش مخاضات لا سابق لها منذ 1968، نشهد كما قال ريتشارد فولك: “صحوة المجتمع المدني العالمي” بفضل صمود الشعب الفلسطيني في وجه التوحش. لقد أصدرتُ في 2005 مجلدا جماعيا بعنوان “مستقبل حقوق الإنسان: القانون الدولي وغياب المحاسبة شارك فيه 17 عشر أكاديميا وباحثا حقوقيا دوليا وكتبت في مقدمته: “”إن كان القرن العشرين قد أرخ لرسم المعالم الأولية وتقديم الوسائل الأساسية للوصف والتحليل والتقييم والشجب والبحث عن سبل الحماية في مجال حقوق الإنسان، فإن الطموح في القرن الواحد والعشرين يتجه نحو جعله قرن المحاسبة”. ففي التجربة العيانية وإثر بعثات تحقيق ميدانية في مناطق الصراع، كنت أجلس مع أعضاء البعثة في صالة يحضرها صحفي أو اثنين وينشر خبرا من ثلاثة أسطر بأحسن الأحوال، عن مجازر شهدناها ومخاطر عشناها. اليوم، في أصغر بيت في قرية نائية يتحدث الناس عن جرائم العدوان الإسرائيلي وتواطؤ الأمريكي وبريطانيا وغيرهما معه. ولكن أيضا الشبيبة والطلبة في كل المدن الأمريكية والأوربية. ألا ترى كيف تقزمت الولايات المتحدة الأمريكية إلى بلد يخّير فيه الأمريكي بين بايدن وترامب؟ بين الكوليرا والطاعون؟ ألا نبصر جميعا كيف أصبح “الكونغرس” مجلس حرب وعدوان على كل القضايا العادلة في العالم؟ لقد أصيبت المؤسسات الأمريكية الحاكمة بالعطب، وصارت الآية القرآنية الكريمة تنطبق عليها بكل المعاني: “والذي خبث لا يخرج إلا نكدا”.
عادل الحامدي: لنعد إلى المحكمة العالمية لفلسطين، ما هي المحطة القادمة ؟
لقد شكلت المحكمة لجنة دائمة لمتابعة القيام بنشاطات بحثية وعلمية متعددة الميادين لإنضاج وتعميق الصورة الحقيقية التي تعيشها فلسطين والشعب الفلسطيني منذ النكبة وتفكيك الأساطير التي بنتها الحركة الصهيونية. بناء فريق عمل طبي قانوني لمتابعة موضوع المعالجات والتدخلات الطارئة وتشكيل بعثات تحقيق ميدانية وأيضا، متابعة ملفات التعويضات والمساعدات وجبر الضرر وإعادة التأهيل.
توسيع فريق العمل القضائي والحقوقي لمراقبة المحاكم عبر موقعها والفريق الإعلامي الذي يتم تشكيله، والتنسيق بين مختلف شبكات المحامين والحقوقيين لرفع القضايا أمام المحاكم الوطنية والإقليمية والدولية، وقد تقدمت هيئة شؤون الأسرى وعائلات ضحايا التعذيب والقتل والخطف بدعوى للمحكمة ضد بنيامين نتانياهو وايتامار بن غفير Itamar Ben_Gvir ووزير المالية الحالي بتسلائيل سموتريش Bezalel Smotrich سيتابعها عدد من المحامين في عدة بلدان، مع العلم أن المحامين المشاركين في المحكمة طرف في دعاوى قضائية مقدمة للمحكمة الجنائية الدولية بحق مسؤولين إسرائيليين، كذلك بحق أورسولا فاندر لاين المفوضة الأوربية. إضافة لملفات أخرى سيعلن عنها في وقتها.
جنيف- عربي21- عادل الحامدي