الهندسة التطبيقية لولادة المحكمة العالمية لفلسطين

Share Post

Last Post

Ctegories

الهندسة التطبيقية لولادة المحكمة العالمية لفلسطين

مبعوث “رأي اليوم” إلى المحكمة العالمية لفلسطين- جنيف

منذ وصولي إلى جنيف قبل يوم من تاريخ الجلسة الافتتاحية للمحكمة العالمية لفلسطين، وحتى مغادرة عاصمة الأمم المتحدة الأوربية، سعيت للحديث مع من أستطيع  لأفهم ما الذي يجمع محامية من تشيلي مع خبير قانوني من الكاميرون مع محامين من فلسطين والجزائر وتونس والنرويج وإيطاليا وفرنسا وإسبانيا واستراليا مع مفكرين وكتّاب معروفين عالميا في محفل واحد غايته كسر الصمت وإسماع صوت من لا صوت لهم وتقديم صورة تشريحية  لأكبر عملية إبادة جماعية في هذا القرن يقوم بها نظام عنصري مكتمل الأوصاف. وتشكيل عين مراقبة على المحاكم الدولية والإقليمية والوطنية لمواجهة الضغوط السياسية الواقعة عليها من إدارة بايدن/بلينكن والكونغرس الأمريكي ومن يتبع أوامرهما في الغرب.

بعد انطلاق جلسات المحكمة، توجه فضولي إلى سؤال ثان بعد أن أجابت جلسات المحكمة على أسئلتي: كيف تمكنت هذه النخبة من الوصول إلى أهدافها في أكبر اجتماع قانوني حقوقي جمع المؤرخ بعالم الاجتماع بالقاضي والمحامي مع من نجا من الموت المبرمج للقضاء على شعب. وقد قدمت لي اللجنة التحضيرية مشكورة أوراق التحضير والتنفيذ وأحاول فيما يلي تلخيص ما حدث في كلمات  أعيد بها قول الشاعر التونسي الكبير الشابي: إذا المقاومة يوما أرادت الحياة فلا بد أن يستجيب القدر.

يمكن تكثيف الإجراءات التحضيرية للمحكمة بما يلي:

  • ملتقى دولي (سامبوزيوم) في اليوم العالمي لحقوق الإنسان بدعوة من ست منظمات غير حكومية عقد في جنيف بتاريخ 14/12/2023، تحت عنوان: المحكمة الجنائية الدولية، تكون أو لا تكون، بحضور خمسين محاميا ومناضل حقوق إنسان وفيلسوف ومؤرخ. وكان من أهم قراراته تشكيل “التحالف القانوني العالمي من أجل فلسطين”.
  • بعد ثلاثة اجتماعات لأعضاء التحالف القانوني الدولي من أجل فلسطين تقرر عقد الملتقى الدولي الثاني (سمبوزيوم) في جنيف في 4 آذار/مارس 2024. اجتماع تقرر فيه العمل على تشكيل “المحكمة العالمية لفلسطين” والإجابة على الأسئلة الثلاثة الرئيسية لذلك: لماذا ؟ كيف؟ ومتى؟

تشكلت في نهاية ملتقى 4 مارس،  لجنة تحضيرية بدأت بأربعة أشخاص وانضم لها تباعا ستة أشخاص وجرى تكليف منسق اللجنة التحضيرية الدكتور هيثم مناع بتشكيل  “اللجنة المنظمة” المسؤولة عن كل ما يسمح لهذه المحكمة بالولادة في فترة زمنية لا تتجاوز المئة يوم نظرا لحالة الطوارئ القصوى الناجمة عن وضع السلطات الإسرائيلية خطتها للإبادة الجماعية في قطاع غزة واستمرار مشاريعها لابتلاع مدينة القدس والاستيطان في الضفة الغربية وحرمان الفلسطينيين من مقومات الحياة في مختلف الأراضي الفلسطينية المحتلة بعد أن استكملت الحكومة العنصرية الإسرائيلية فرض نظام الأبارتايد في كامل فلسطين التاريخية.

قام أعضاء اللجنة التحضيرية بزيارات إلى الدول الإسكندنافية وفرنسا وتركيا وتونس ولبنان وفلسطين، مع اجتماعات عن بعد مع جنوب إفريقيا وإيطاليا وبريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية والأردن وجرت الموافقة على أن يكون اجتماع الجمعية العامة للمحكمة الذي يجمع رمزيا 76 شخصية عالمية (عدد سنوات النكبة) في جنيف في الصالة الوحيدة التي قبل نلسون منديلا أن يتحدث فيها أثناء زيارته لسويسرا، مترافقا باجتماع يعقد في معهد العلوم الاجتماعية في الجامعة اللبنانية في بيروت وجامعة الاستقلال في أريحا (فلسطين).

كان التجاوب والتعاون من المحامين والقضاة وكبار المثقفين ومناضلي حقوق الإنسان متجاوزا لكل التوقعات، واضطرت اللجنة التحضيرية لإغلاق باب المشاركة بعد أن اجتاز عدد طلبات المشاركة 207 مشاركا ومشاركة من 41 دولة من مختلف القارات. وجرى إعداد 23 دراسة وتقرير حقوقي ومحضر شكوى مع 27 توصية جرى تقديمها من الأطراف المشاركة. وقام فريق من المتطوعين والمتطوعات بتأمين موضوع الترجمة إلى ثلاث لغات (العربية، الإنجليزية والفرنسية)، وفريق ثان بتأمين المنصة الإلكترونية الدائمة للمحكمة عبر بناء موقع خاص www.tribunalswatch.com   للمحكمة، وهنا من الواجب توجيه شكر خاص للصحفيين موسى عاصي وعادل الحامدي اللذين ساهما في التعريف بهذا المشروع التاريخي وقد نالا نتيجة لجهودهما الجبارة وسام الجدارة من المعهد الإسكندنافي لحقوق الإنسان/مؤسسة هيثم مناع، صباح العاشر من حزيران/يونيو 2024. خاصة وأن عدة محطات تلفزيونية أكدت مشاركتها وتغطيتها لجلسات المحكمة رضخت لضغوط حالت دون قيامها بما التزمت به.

وقعت ضغوط كبيرة على عدد من المتدخلين والمتدخلات لعدم المشاركة تحت طائلة الشطب من نقابات المحامين. وجرى إطلاق شائعات عديدة أكثرها خبثا توزيع رسالة على العديد من المشاركين والمشاركات تقول بأن هذه المحكمة محكمة سياسية لدعم قائمة “فرنسا الأبية” والقوائم المؤيدة للقضية الفلسطينية في الانتخابات الأوربية وهذا كما يدعون “سبب إطلاقها قبيل الانتخابات الأوربية مباشرة”، وقد اطلعتني اللجنة المنظمة على عدة رسائل بهذا الشأن حول تهديدات بالاسم تعرض لها بعض المشاركين والمشاركات. وكما يقول المثل: من الدناءة ما قتل، فقد جاء في هذه الرسائل التي تدعي أن هذه المحكمة سياسية وحزبية، أن هناك كلمة في الافتتاح للسيدة ريما حسن الاسم الثاني في قائمة “فرنسا الأبية”، علما بأن أقل الصحفيين والسياسيين معرفة بالشرق الأوسط يعرفون أن الدكتورة ريما خلف معاون الأمين العام للأمم المتحدة سابقا، أشهر من نار على علم، والخلط بينها وبين السيدة ريما حسن التي لا علاقة لها بالمحكمة من قريب أو بعيد، هو من صناعة آلة أكاذيب اللوبي الصهيوني في أوربة.

كانت عملية الجمع بين الأجيال (من عمر 92 إلى 29 كما قالت المحامية نجاة هدريش في كلمتها) والجمع بين مختلف البلدان والقارات والنظم القانونية المختلفة حدثا استثنائيا وغير مسبوق، وكانت النقاشات غنية ومعطاءة وانتخبت لجنة دائمة لمتابعة أعمال المحكمة ومهامها وكما قال الخبير الدولي الكبير ريتشارد فولك: “هذه أبرز علامات الصحوة الكبيرة للمجتمع المدني العالمي”، الدكتور هيثم مناع المنهك صحيا بعد استنفار أشهر عديدة قال لنا: “هذا هو الدليل الملموس على أن مركزية وعالمية القضية الفلسطينية اليوم ليست مطلبا، بل واقع نعيشه بأم أعيننا”.

Scroll to Top