حضرات رئيس وأعضاء اللجنة التحضيرية للمحكمة العالمية لفلسطين
السيدات والسادة الحضور
أحييكم اطيب التحيات من فلسطين، وأعبر لكم عن سعادتنا بانعقاد المحكمة العالمية لفلسطين، والتي عملنا وصاحب مبادرة الدعوة لها الصديق العزيز البروفيسور هيثم مناع بكل ما استطعنا من جهد من أجل إنجاح تنظيمها بهذه المشاركة الواسعة، من المفكرين والخبراء والمحامين والحقوقيين والقضاة والاكاديميين والباحثين، وممثلي منظمات حقوق انسان والمجتمع المدني، من مختلف دول العالم. واسمحوا لي أن أتقدم بجزيل الشكر وأعبر عن تقديرنا العالي للمنظمات الحقوقية الخمس التي تبنت المبادرة وعملت عليها، ولكل المشاركات والمشاركين أصحاب اوراق العمل والشهادات والمداخلات التي سنستمع اليها في جلسات المحكمة.
السيدات والسادة
بعد الحديث الذي تفضل به، من أسماه البروفيسور هيثم مناع بالحكيم، وهو فعلا بالحكيم وعميد القانون الدولي، ألا وهو السيد ريتشارد فولك، لم يعد ثمة ما يمكن اضافته، فقد لخص السيد فولك الموضوع الذي نحن بصدده بشكل واضح جدا ودقيق. وإذ أشكره على ما تفضل به، أوضح من جانبي الأمور التالية:
إن الانتهاكات الجسيمة لحقوق الانسان الفلسطيني وجرائم التطهير العرقي والتهجير القسري، والقتل والاعتقال التعسفي، والتعذيب، والاستيلاء على الأرض واستيطانها، وممارسة التمييز والفصل العنصري، وغيرها من انتهاكات وجرائم ارتكبتها دولة الاستعمار الاستيطاني والاحتلال الصهيوني/ إسرائيل، ليست جديدة، فهي تعود إلى ما قبل قيام دولة إسرائيل عام 1948، ارتكبتها العصابات الصهيونية الإرهابية، واستمرت أثناء قيام الكيان الصهيوني وبعد قيامه وبشكل ممنهج، مما تسبب في نكبة الشعب الفلسطيني واستمرارها.
وللأسف ورغم المحاولات الكثيرة، التي وثقت تلك الانتهاكات والجرائم، ودعت إلى وضع حد لها، وضرورة الزام إسرائيل بالانصياع لأحكام القانون الدولي وقرارات الأمم لمتحدة، إلا ان الحاكمية العالمية المتربعة على عرش النظام الدولي وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية حالت دون ذلك، واستخدمت حق النقض الفيتو في مجلس الأمن مرارا وتكرارا لحماية إسرائيل وجعلها فوق القانون الدولي، ومارست ضغوطات شتى لمنع حتى الحديث عن وجود سياسة فصل عنصري ممارسة من قبل إسرائيل. وهكذا في عام 1991 الغي قرار 3379 لعام 1975 الذي يعتبر الصهيونية شكلا من اشكال العنصرية، وطلب من السيدة الدكتورة ريما خلف في فترة لاحقة سحب التقرير الذي يتحدث عن الظلم في العالم العربي والطريق الى العدل، كذلك تقرير رتشارد فولك وفيرجينيا ثيلي عن الممارسات الإسرائيلية تجاه الشعب الفلسطيني ومسألة الفصل العنصري.
واستمر عدوان دولة الاستعمار الاستيطاني على الشعب الفلسطيني طوال اكثر من 75 عاما دون رادع، رغم ان أفعالها تجاوزت كل الحدود وانتهكت بشكل جسيم القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الانسان، وظلت دولة إسرائيل فوق أي مساءلة أو محاسبة، وظلت المواقف الدولية تجاه قضايا الشعوب، تتسم بمواقف مزدوجة بشكل فاقع، بل وتمت حماية إسرائيل ووضعها فوق القانون ووضع أي نقد لها تحت تهمة معاداة السامية والإرهاب.
فماذا كان ينتظره العالم ليصحو الضمير الإنساني؟ هل وصل الأمر أن يشاهد العالم قيام إسرائيل بإبادة الشعب الفلسطيني ماديا ومعنويا على الملا، وبشكل متوحش لم يسبق له مثيل في التاريخ الحديث والمعاصر، حتى يعرف حقيقة نهجها وسياساتها وتصرفاتها؟
ألا يكفي ان يصل عدد الشهداء والمصابين منذ 7 أكتوبر 2023 إلى (150) الف إنسان معظمهم من الاطفال والنساء وكبار السن والمرضى؟ ألا يكفي هذا الدمار الذي طال بيوت الناس الآمنين وكل الأعيان المدنية الصحية والتعليمية وغيرها؟ ألا يكفي قطع المساعدات الإنسانية وتجويع البشر وتشريد أكثر من مليوني نازح؟
بعد السابع من أكتوبر 2023، من الواضح أن دولة الاستعمار الاستيطاني والاحتلال والفصل العنصري الصهيونية/ إسرائيل قد أظهرت حقيقتها المتوحشة، فأمعنت بالانتهاكات وارتكاب الجرائم البشعة بشكل ممنهج لم يسبق له مثيل في تاريخ النزاعات المسلحة. ورغم ذلك تلكأت وتتلكأ المؤسسات الدولية عن ادانتها والزامها بوقف الحرب الهمجية، وهي بدورها، كما دأبت تاريخيا، لا تعير المؤسسات الدولية أية أهمية، ولا حتى محكمة الجنايات الدولية ولا محكمة العدل الدولية ولا منظمة الأمم المتحدة ووكالاتها.
بعد كل هذا لم يعد من اللائق، كما أكد الصديق هيثم مناع، أن يبقى دعاة الحق والعدالة وأحرار العالم بحاجة لانتظار اجتماع هذه المؤسسة الدولية او تلك لإسماع صوتهم للعالم، وباتت الحاجة ملحة لوجود محكمة ضمير انساني وحقوقي دولية، مستقلة وسيدة نفسها، لا تقيدها الحاكمية العالمية التي تقف في صف المجرمين والقتلة بشكل سافر.
السيدات والسادة
إنني أتفق تماما مع التأكيد بأن الهدف من عقد المحكمة العالمية لفلسطين، ليس فقط تشكيل منتدى حقوقي وأكاديمي، مهمته توثيق جرائم الاحتلال وعرضها أمام العالم، بل وتحليل وتوضيح الجريمة المستمرة للإبادة الجماعية، وتشريح نظام الفصل العنصري الإسرائيلي الذي لم يشهد التاريخ له مثيلا حتى في نظام الأبارتهايد في جنوب إفريقيا سابقا، وأهمية الربط بين جريمتي الإبادة الجماعية ونظام الفصل العنصري، كركيزتين وأسلوبين لمنهج واحد لجأت له الحركة الصهيونية ودولة إسرائيل بهدف حسم الصراع مع شعبنا الفلسطيني وكمحاولة لضمان انتصار المشروع الاستعماري الاستيطاني وتكريس سيطرته على كل فلسطين التاريخية. ولهذا من الأهمية بمكان أن يجري العمل من أجل أن تكون المحكمة العالمية مساهمة جادة في الكشف عن هذا الترابط، والدفع باتجاه منع تكرار الجرائم المرتكبة بحق الشعب الفلسطيني، ومغادرة منطق “عدالة الغالب” الذي ساد ويسود منذ محكمتي نورنبرغ وطوكيو، والتحول الى قضاء دولي نزيه يحتكم إلى المبادئ الحقوقية الكونية ومعايير العدالة والنزاهة الدولية، وبالتالي التأسيس لانطلاقة مقاربة ووسائل نضالية وبحثية خلاقة لجعل العدالة في فلسطين الميزان المركزي لتراجع أو تقدم العدالة الدولية، وبنفس الوقت إنضاج مقاربة مجتمعية حقوقية لمفهوم الجرائم الجسيمة وبشكل خاص جريمة الإبادة الجماعية، والإسهام في إغناء وتعزيز خطاب التحركات المدنية والطلابية في العالم باعتبار القضية الفلسطينية صارت المعيار الفيصل بين العدالة والتوحش.
وفي الختام أتمنى لهذه الفعالية الدولية النوعية كل النجاح والتوفيق والخروج بالتوصيات اللازمة لمأسسة العمل واستدامة الفعل لنصرة الحق الفلسطيني وتحقيق العدالة، آملين وبشكل محدد أن يجري الاهتمام بدور الرقابة والمساءلة من قبل المحكمة، وتعزيز نصرة الحق الفلسطيني وتحقيق العدالة، وبحيث لا يفلت مجرمو الحرب الصهاينة من العقاب، وأن يستمر دعم شعبنا الفلسطيني ومسيرة تحرره الوطني حتى ينعم بحقه في ممارسة تقرير المصير بحرية على أرض وطنه، أسوة ببقية شعوب العالم.
والسلام عليكم