قاضي في المحكمة العليا بغزة ، وأمين عام المجلس الأعلى للقضاء
قدمت هذه الورقة لأعمال المحكمة العالمية لفلسطين، جنيف – 6 -8 حزيران/ يونيو 2024
أنا أسمي / أشرف رفيق نصر الله، من سكان مدينة غزة ، حي الرمال، أعمل حاليا قاضيا في المحكمة العليا بغزة ، وأمين عام المجلس الأعلى للقضاء، وأنا أعمل في القضاء منذ خمسة عشر عاما . وقبل انتقالي للعمل في القضاء عملت في حقوق الإنسان والمحاماة عشر سنوات.
منذ ولادتي وأنا أعيش في مدينة غزة، وعندما بدأ الهجوم العسكري على قطاع غزة في السابع من أكتوبر لعام 2023 كنت في غزة، وبعد خمسة وخمسين يوما من الهجوم خرجت من غزة الى تركيا.
في الثامن من أكتوبر لعام 2023 وعند حوالي الساعة الثالثة ظهرا كنت في منزلي أتابع الأخبار، فسمعت صوت ضجيج وصراخ في الحي، نزلت من منزلي فورا وسالت احد الجيران عما حدث، فأخبرني أن الجيش الإسرائيلي اتصل به وطلب منه خروج كل سكان الحي من منازلهم لأن الطيران الحربي سيقوم بقصف الجامعة الإسلامية، فاضطر كل النساء والأطفال والرجال مغادرة منازلهم على أمل العودة الى منازلهم بعد ساعات ولم يبقى في الحي الا أربعة رجال وأنا معهم.
وبعد دقائق معدودة بدأ الطيران الحربي الإسرائيلي بقصف منازل الحي بشكل عشوائي دون أي تمييز، وعندما شعرنا بالخطر على حياتنا ،قررت أنا ومن بقي من الرجال مغادرة الحي ، وقبل مغادرتنا الحي قام الطيران الحربي بقصف بناية سكنية مكونة من خمسة طوابق تبعد عنا عشرة أمتار بصاروخين، مما أدى الى تدميرها، وخرجنا من تحت الركام بأعجوبة .
وفي اليوم التالي تفاجأنا بتدمير قوات الاحتلال كامل منازل الحي، التي تبلغ حوالي مائة بناية سكنية ، بما فيها من أثاث وأغراض شخصية ، وأصبح الحي غير صالح للعيش فيه .
انتقلت مع اسرتي الى منزل أختي في حي النصر ، وبعد أربعة أيام بدأ الطيران الحربي بقصف أبراج الكرامة والمقوسي المجاورة لمنزل أختي بصواريخ شديدة الانفجار، فأجبرنا على مغادرة منطقة النصر إلى مركز الأمل للإيواء القريب من مشفى الشفاء ، وكنا في المركز حوالي ثلاثمائة شخص ممن دمرت منازلهم.
منذ اليوم الأول للحرب قطعت قوات الاحتلال الكهرباء عن كافة مناطق قطاع غزة، وبعد ذلك بدأت باستهداف شبكات ومولدات الكهرباء الخاصة. وبعد قطع الكهرباء تم قطع المياه عن جميع السكان. وأصبحنا بصعوبة بالغة نجد مياه للشرب.
بعد حوالي أسبوعين من الحرب بدأت قوات الاحتلال باستهداف المخابز، وقامت بقصف بعض منها، لمنعها من تزويد الناس بالخبز، علما بأن الناس كانت تخرج عند الساعة الخامسة صباحا لشراء الخبز، وفي احدى المرات وأثناء وقوف أحد المواطنين ممن كانوا معنا في مركز الايواء في طابور عند أحد المخابز، قام الطيران بقصف الناس مما أدى الى إصابة المواطن واستشهاد عدد من المواطنين .
قصف مولد كهرباء مركز الايواء
بعد ثلاثة أسابيع من الحرب استيقظنا عند الساعة السادسة صباحا على صوت انفجار شديد داخل مركز الايواء، وبعد تفتيش المكان تبين لنا بأن طائرات الاحتلال استهدفت مولد الكهرباء الخاص بالمركز بصاروخ مما أدى الى تدميره، وبعد يومين استيقظنا عند الساعة السابعة صباحا على صوت انفجار جديد في داخل مركز الإيواء، وبعد تفقد المركز وجدنا الطائرات الإسرائيلية قد استهدفت ألواح الطاقة الشمسية للمركز مما أدى الى تدميرها.
قطع الاتصالات
قامت قوات الاحتلال بعد عدة يام من الحرب بقطع شبكة الاتصالات عن جميع المواطنين، وفي تلك الليلة قام الطيران الحربي بإطلاق المئات من الصواريخ على منازل المواطنين في مدينة غزة، مما أدى إلى استشهاد المئات، ولم يكن أحد يستطع الاتصال بالإسعاف أو الدفاع المدني عند الحاجة.
القصف ليلا
كانت قوات الاحتلال الإسرائيلي تتعمد قصف منازل الموطنين ليلا حتى تقتل أكبر عدد منهم، ولم يكن يتوقف القصف ليلة واحدة، فكان الأطفال والسناء لا يعرفون النوم ليلا من شدة القصف.
زيارة مشفى الشفاء
في احد الأيام توجهت إلى مشفى الشفاء بغزة لزيارة صديق لي مصاب، فأصبت بالذهول من عدد الشهداء الذين كانوا بالمئات في ساحة مشفى الشفاء داخل سيارة كبيرة مبردة مخصصة لنقل الأدوية تم استخدامها لوضع الجثث فيها من كثرتها، وهؤلاء المئات من الشهداء قتلوا في ليلة واحدة. كما رأيت الآلاف من المصابين داخل المشفى منهم من كان ينام على الأرض وفي الممرات لعدم كفاية الأسرة. وأما عن النازحين داخل المشفى فقد تجاوزا خمسين الف مواطن من الأطفال والنساء وكبار السن.
قصف معسكر الشاطئ
أثناء تواجدي في مركز الايواء كنا نسمع صوت القصف العنيف على منازل المواطنين في معسكر الشاطئ، حيث كان يبعد عنا حوالي ثلاثة كيلو متر، وكنا نسمع القصف العنيف جدا جدا على حي الشيخ رضوان ونرى النيران بأم أعيننا وكان يبعد عنا حوالي أربعة كيلو متر.
قصف مشفى المعمداني
قامت طائرات الاحتلال في منتصف الليل بقصف مشفى المعمداني في مدينة غزة، وكان في داخل المشفى أكثر من عشرة الاف مواطن ممن أجبرهم الاحتلال على النزوح من مناطقهم، مما أدى الى استشهاد أكثر من ثلاثمائة مواطن أغلبهم من النساء والأطفال وكبار السن. كانت مجزرة فظيعة لم يكن أحد يظن بأن يصل اجرام الاحتلال الى هذا المستوى من القتل باستهداف المواطنين داخل المشفى.
قصف مشفى القدس
كانت مشفى القدس تبعد عنا حوالي ثلاثة كيلو متر، وعلى مدار أسبوع كامل وطائرات الاحتلال تقصف بشكل عنيف جدا جدا محيط مشفى القدس في مدينة غزة ، من خلال احزمة نارية ( وهي عبارة عن اطلاق عشرات الصواريخ من عشرات الطائرات في لحظة واحدة ) وكان بداخل المشفى الالاف من النازحين والمئات من المرضي. لإجبارهم على إخلاء المشفى .
اغتيال الصديق المحامي محمد النجار
قامت طائرات الاحتلال باستهداف منزل زميلي المحامي محمد النجار في منتصف الليل، مما أدى إلى استشهاده واستشهاد زوجته وأولاده جميعا، واستشهاد والده القاضي ووالدته القاضية، واستشهاد شقيقه وعائلته، بسبب منشور كتبه على الفيس قال فيه (لن نغادر منازلنا) بعد أن طلب الاحتلال من جميع سكان غزة النزوح الى منطقة الجنوب .
وقد قتل الاحتلال حتى الان أكثر من مائة محامي من محامي قطاع غزة.
اغتيال القاضي أشرف فارس
القاضي أشرف فارس، هو أحد قضاة المحكمة العليا بغزة، يسكن مدينة خان يونس، تم قتله في الأسابيع الأولى من الحرب مع زوجته وعدد من أولاده وهم داخل منزلهم .
وقد قتل الاحتلال حتى الان سبعة من قضاة المحاكم بغزة.
تدمير قصر العدل بغزة
يعد قصر العدل أكبر مبنى للعدالة في قطاع غزة، تم افتتاحه في عام 2018 برعاية دولة قطر، وفي الأسابيع الأولى من الحرب قامت قوات الاحتلال بالسيطرة على مبنى قصر العدل في مدينة الزهراء، وتحويله الى مركز للاعتقال والتعذيب.
في أوائل شهر ديسمبر 2023 قامت قوات الاحتلال بتدمير قصر العدل، وكان فيه ربع مليون قضية فيها، وكل قضية فيها مستندات وأوراق رسمية للمواطنين.
تدمير مشفى الوفاء للعجزة والمسنين
يعتبر مشفى الوفاء للعجزة والمسنين هو المشفى الوحيد في قطاع غزة لرعاية المسنين ، ولم يكن أحد يتصور أن يستهدف مقر العجزة والمسنين في غزة والزهراء ، حيث أجبرت قوات الاحتلال العجزة على النزوح من مدينة غزة إلى مدينة الزهراء، وبعد أيام من وصولهم الى مدينة الزهراء قام الطيران باستهداف مبنى العجزة في الزهراء، مما أدى الى استشهاد رئيس مجلس ادارة الجمعية د . مدحت محسين وأجبر الاحتلال العجزة على النزوح الى جنوب قطاع غزة .
تدمير مشفى الصداقة التركي لمرضى السرطان
يوجد في قطاع غزة حوالي 1500مريض مصاب بالسرطان، وعند اجتياح قوات الاحتلال مدينة غزة، حاصرت مشفى الصداقة التركي وهو يقع جنوب مدينة غزة، وأجبرت الأطباء والمرضي على اخلاء المشفى في منتصف الليل دون أي مراعاة لظروفهم الصحية.
النزوح من غزة الى المنطقة الوسطى
بعد خمسة وثلاثين يوما من الحرب ،ودخول قوات الاحتلال وسط مدينة غزة، نزحت مع عائلتي من مدينة غزة الى المنطقة الوسطى عبر حاجز نتساريم أو ما يسمى( حاجز الموت )، ونحن في الطريق إلى حاجز نتساريم رأيت المئات من المصانع والمحلات والعمارات قد دمرت بشكل كامل في مدينة غزة.
وقبل وصولنا حاجز نتساريم بحوالي كيلو متر، نزلنا من السيارة ومشينا على أقدامنا حوالي خمسة كيلو متر من حي الزيتون الى أن وصلنا مخيم البريج.
كان معنا عندما قطعنا حاجز نتساريم الألاف من المواطنين منهم عدد كبير من المرضى وكبار السن وكان هناك العشرات من الشهداء في الطريق، ولا يستطيع أحد نقل أي جثمان.
كان على جانبي حاجز نتساريم العشرات من دبابات الاحتلال والمئات من الجنود وكانوا يجلسون أمامهم عدد من المواطنين كدروع بشرية.
لم يكن عند حاجز نتساريم أي مراعاة لظروف كبار السن والمرضى الذين كانوا يعانون من عناء شديد من المشي. وبعض المرضي كانوا يحملون المحاليل بأيديهم.
بعد اجتيازنا حاجز نتساريم بمئات من الأمتار قامت طائرات بإطلاق الصواريخ علينا مما أدى الى استشهاد عدد من المواطنين المدنيين أمامنا دون أن تتمكن سيارات الإسعاف من الوصول اليهم.
- زيارة مشفى شهداء الأقصى في دير البلح
توجهت أكثر من مرة الى مشفى شهداء الأقصى في دير البلح ورأيت بأم عيني العشرات من الشهداء الذين قتلهم الاحتلال.
ومن أبشع الجرائم التي ارتكبت أثناء تواجدي في المنطقة الوسطى قيام طيران الاحتلال بقصف منزل الطبيب عبد اللطيف الحاج في منطقة النصيرات، وكان في منزله العشرات من أقاربه، مما أدى الى استشهاد 55 شهيدا من عائلة الطبيب الحاج.
تدمير الجامعات والمدارس
كانت الجامعات والمدارس من أهداف الاحتلال الاستراتيجية في هذه الحرب ، فدمرت بشكل كلي ثلاثة جامعات وهي وأكثر من مائة مدرسة. كما حرقت كافة المكتبات في الجامعات، وقد نشر أحد الجنود صورة له وهو يحرق مكتبة جامعة الأقصى.
منع دخول الصحافة الأجنبية قطاع غزة
منذ اليوم الأول للحرب على غزة ، لم تسمح قوات الاحتلال لأي صحفي اجنبي بدخول قطاع غزة بهدف منع الصحافة من نقل الحقيقة والمجازر
استهداف الأطفال
أكثر من خمسة عشر الف طفل حتى الان قتلت قوات الاحتلال الإسرائيلي. وما يزيد عن عشر آلاف امرأة.
أطفال بدون أمهات
أكثر من سبعة عشر ألف يتيم حاليا في قطاع غزة. بعض منهم يتيم الوالدين.
استهداف الصحفيين
هناك أكثر من 147 صحفي حتى الان قتلتهم قوات الاحتلال بشكل متعمد، وبعض من هؤلاء الصحفيين قتلوا مع عائلاتهم.
استهداف الأطباء
لم يكن الأطباء بمنأى عن الة القتل الصهيونية، حيث قتلت قوات الاحتلال العديد من أشهر الأطباء في قطاع غزة ، وبلغ عدد الشهداء من الأطباء والممرضين أكثر من 400 طبيب وممرض. وهناك العشرات تم اعتقالهم من داخل المستشفيات وما زالوا رهن الاعتقال.
استهداف علماء ودكاترة الجامعات
قامت قوات الاحتلال الإسرائيلي باستهداف العشرات من رؤساء وأساتذة الجامعات بشكل متعمد ، وقصفت العشرات منهم مع عائلاتهم داخل منازلهم .
استهداف الأماكن الأثرية
قامت قوات الاحتلال الإسرائيلي بتدمير اكثر من مائتي موقع أثري في قطاع غزة، منها مواقع أنشأت منذ آلاف السنين.
استهداف الكنائس والمساجد (أماكن العبادة)
كانت المساجد والكنائس أحد الأهداف الأساسية لقوات الاحتلال الإسرائيلي، فقد دمرت أكثر من ثلاثمائة مسجد بشكل كلي، وقصفت ثلاثة كنائس من أقدم الكنائس في العالم.
حجم الأسلحة مقارنة بمساحة قطاع غزة. حوالي 75000 الف طن من المتفجرات ألقيت على قطاع غزة علما بأن مساحة قطاع غزة لا يتجاوز 360 كيلو متر مربع.
تدمير المنازل : أكثر من مائة الف منزل حتى الان دمرت قوات الاحتلال بشكل كلي.
ارتكبت قوات الاحتلال حتى الان أكثر من 3200 مجزرة بشعة من أبشع المجازر في العصر الحديث.
إبادة المعتقلين
في ذات الوقت الي كانت قوات الاحتلال الإسرائيلي ترتكب إبادة جماعية في غزة ، كانت ترتكب جريمة إبادة صامتة في سجون الاحتلال الإسرائيلي ضد المعتقلين الفلسطينيين ، وقتل تحت التعذيب أكثر من خمسين معتقلا منهم الطبيب عدنان البرش .
هذه المجازر والجرائم البشعة التي ارتكبتها قوات الاحتلال الإسرائيلي لا بد من محاسبة مرتكبيها من قادة الاحتلال الإسرائيلي، يجب عدم افلاتهم من العقاب، هذه حرب إبادة جماعية ،هذه حرب ضد الإنسانية.
وأنا أقدم شهادتي أمامكم، ما زالت الجرائم مستمرة تحت سمع وبصر المجتمع الدولي.